جابر: الحراك الفحماوي نقلة جدية في الاحتجاج الشعبي!

تصاعد وتيرة العنف وازدياد الجريمة جعل الفلسطيني في الداخل، يبحث عن مجتمع يتمتع بالأمن والامان، وتبعده افات العنف والجريمة بجميع صورها، عاجزا عن درء هذا الشبح عنه وعن ابنائه، ما ابقاه في بؤر اليأس والاحباط حتى بات بانتظار الجريمة القادمة، التي ستدون ضد مجهول.

لا يزال مسلسل الجريمة يعصف بالمدن والقرى العربية في الداخل الفلسطيني، وسط تخوف وغضب لدى الفلسطينيين، جراء تواصل جرائم اطلاق الرصاص والقتل التي أودت بحياة 21 شخصا منذ مطلع العام الجاري، إضافة إلى جرائم طلاق نار صوب منازل ومحال تجارية، وحرق سيارات، وتهديد بإنهاء حياة المواطنين، وغيرها من اعمال العنف الأخرى التي باتت تستخدم في كثير من الحالات وبشكل يومي، نتيجة شجار او خصام، كذلك إطلاق نار يسجل دون وقوع اصابات، شجارات مختلفة، وحالات طعن على خلافات تختلف خلفياتها.

يكاد يوم لا يمر، دون أن نفيق على جريمة، قتل  أو إطلاق نار، أو أحداث عنف منها المعلن ومنها ما يظل طي الكتمان، في المدن والقرى العربية في الداخل الفلسطيني المحتل، إذ تبين المعطيات أن نسبة الفلسطينيين الذين يقتلون بجرائم عنف أكثر بثلاثة أَضعاف من نسبتهم السكانية العامة.

معطيات مقلقة نلاحظها في السنوات الأخيرة، وهي آخذة في التفاقم، خاصة وأن هذه القضية تخلف الكثير من الضحايا وتثير مشاعر الفوضى وتغيب الأمن والأمان لدى الفلسطينيين في الداخل المحتل، إذ ترتكب الجرائم بدوافع بسيطة، وكنتيجة لشجارات عائلية او خلافات مالية سرعان ما تتسع وتتحول الى جرائم، هذا الى جانب نوع آخر يتعلق بالجرائم المنظمة المتعلقة بتجارة السلاح والمخدرات وجرائم المال.

ومن اسباب تفشي الجريمة، انتشار الفقر الذي يعانيه المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني، حيث يعيش 60% من السكان العرب تحت مستوى الفقر، إضافة إلى سعي المواطنين بتثبيت كيانهم، بعد نكبتهم الأولى، وسلب كيانهم، ووسط تهميش الكيان الاسرائيلي للفلسطينيين، إذ يعيش الفلسطيني الخوف من ضياعه واغترابه في هذا المجتمع المتفكك، ما يجعل البعض بأن يفرض ذاته لتحقيق مأربه الشخصية، وقد يلجأ لاستخدام القوة والعنف، حتى إزاء أبناء شعبه، فيما إذ هنالك ما يتهدد تحقيق اريحية عيشه، بعدما فقد الأمل بكرامة العيش.

إن تصاعد وتيرة العنف وازدياد الجريمة جعل المواطن العربي في الداخل، يبحث عن مجتمع يتمتع بالأمن والامان، وتبعده افات العنف والجريمة بجميع صورها، عاجزا عن درء هذا الشبح عنه وعن ابنائه، ما ابقاه في بؤر اليأس والاحباط حتى بات بانتظار الجريمة القادمة، التي ستدون ضد مجهول، ذلك وسط فشل مؤسسات رسمية ومؤسسات خاصة، التي تسعى الى مكافحة العنف في المجتمع، وفشل الشرطة في اداء واجبها باستتباب الامن والامان.

هذا وتشهد العديد من البلدات العربية غضبا واستنكارا لما يجري من احداث عنف، حيث أن جميع القتلى الذين سقطوا، غالبيتهم في مقتبل العمر، علما بأن جل الملفات لدى الشرطة لم تفك لغزها والتحقيق فيها ما زال جاريا، إضافة إلى عجز المراكز الخاصة المقامة أساسا لكبح جماح الجريمة، واللجان التي شكلت تحديدا لمعالجة قضية العنف والجريمة، كلجنة العنف في الكنيست، التي لم تنجز أي حل لهذه المعضلة على أرض الواقع!.

ويرجع المواطنون العرب في الداخل تواصل تصاعد وتيرة الجريمة والعنف، خلال الأعوام الماضية، إلى تقاعس سلطة فرض القانون بأداء دورها، في استتباب الامن والامان، وكبح جماح هذه الأفة الخطيرة، تضع تعاون الجمهور الفلسطيني، بالإدلاء عن معلومات في موضوع الجريمة والعنف، شرطا لتأخذ مسؤوليتها بمكافحة هذا الشبح الذي يهدد سكينتهم، كذلك تتذرع بضرورة انشاء محطات للشرطة في البلدات العربية كحل لمحاربة الجريمة ومحاصرة العنف، علما أن غالبية المدن والقرى الفلسطينية، التي أقيمت فيها محطات للشرطة خلال السنوات الأخيرة، ازداد عدد جرائم القتل بدلا من أن ينخفض، واكبر مثال على ذلك مدينة الطيرة التي افتتحت الشرطة مؤخرا فيها محطة شرطة كبيرة تضم 80 عنصراً ولا زال مسلسل الدم مستمراً. ما حدا بالجماهير الفلسطينية مطالبة الشرطة بالقيام بواجبها، إذ خرج الفلسطينيون بإحتجاجات منظمة وعشوائية مختلفة على مدار سنوات، منها ما اخمده الإحباط، ومنها ما ظل متواصلا، وأبرز مثال ولادة “الحراك الفحماوي الموحد”، الذي خرج للمطالبة بوضع حد للجريمة المتفشية، وتواطؤ الشرطة وتقاعسها في التعامل معها. وما زال يواصل الاحتجاج المنظم للأسبوع العاشر على التوالي، والذي انبثق عنه عدة حراكات في المدن والقرى العربية في الداخل المحتل، كحراك جلجولية، باقة الغربية، وشفاعمرو وغيرها.

وأشار المواطنون إلى أن الشرطة تقوم بجهود أكثر نجاعة في موضوع إنفاذ قوانين السير وتوزيع المخالفات أكثر بكثير مما هو  عليه، في مجال محاربة الجريمة والعنف، لافتين إلى أنها خلال جائحة “كورونا” تمكنت سلطة فرض القانون بكافة أذرعها من أجهزة مخابرات وغيرها، من تحقيق انجازات ملفتة بتعقب المرضى وحصرهم، كذلك تتمكن دوما من القبض على كل من يهدد الامن العام، حتى لو كان في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتلقي القبض عليه بسرعة فائقة، بينما تتهاون بالقبض على الجناة والقتلة الضالعين بجرائم عنف، كذلك بجمع السلاح غير المرخص.

وفي هذا السياق، كان لنا هذا الحوار مع المحامي رضا جابر من مركز “امان – المركز العربي لمجتمع آمن” في الداخل الفلسطيني.

الراية- اين مركز “امان – المركز العربي لمجتمع آمن” مما يحدث على الساحة العربية في الداخل الفلسطيني المحتل؟

جابر : إن “الجريمة والعنف داخل مجتمعنا، وأي مجتمع، هي مسألة تحتاج إلى جهد نظام “دولة”، وأيضا نظام مجتمع. بدون جهد كبير بهذين الاتجاهين كل فعل هو متواضع ومردوده محدود”. مضيفا إن  “دور المجتمع المدني هو، اولا، دفع مؤسسات “الدولة” للقيام بواجباتها، وهذا بعض ما يقوم مركز “أمان” بعمل متواصل بتقديم التوصيات والضغط بهذا الاتجاه. ثانيا، المسؤولية المجتمعية، وهنا نقوم بتقديم المقترحات والدفع باتجاه تبنى مشاريع اجتماعية بالمجالات المرتبطة بالموضوع”.

الراية- هل صار حجم ملف الجريمة والعنف اعلى من سقف قدرات المركز لمواجهة هذا السرطان الذي يفتك بالقرى والمدن العربية في الداخل الفلسطيني؟

 جابر : “منذ انطلاق المركز ونحن نقول بأن هذا الموضوع اكبر من عمل جمعية ومؤسسة واحدة بل هو مشروع مجتمع وبحاجة الى جهد جبار للجميع. ونحن فقط نقوم بجهد متواضع نعتقد بأنه مهم, ولكنه متواضع جداً. مهمتنا محددة جدا الجريمة تتطور بسرعة مذهلة وانخراطها في عصب مجتمعنا هو متزايد. المشكلة او الحل كما نراه هو ان يكون فعل الدولة وفعل المجتمع أكبر وأسرع وأنجع ومنتظم أكثر من الاجرام. وقتها نقلب الموضوع لصالح مجتمعنا”.

وتابع: “نحن فقط نساهم بما نستطيع ولنا تصور ومقترحات نقدمها والمطلوب جهود جبارة بالتنفيذ والاستمرار في التنفيذ. ولكن من ناحيتي المهم الان هو اقتناص الفرصه في هذه الفترة لتحول عملي في التعامل مع الموضوع”.

الراية – حسب تصورك، كيف يمكن إيقاف ظاهرة العنف وجرائم إطلاق النار، في الداخل الفلسطيني، في ظل تقاعس الشرطة وتواطؤها مع عصابات الاجرام؟

جابر: “نحن ندعو الى التحول من منطق الاحتجاج الشعبي ( وهو مهم وأساسي) الى التنظيم الشعبي. من جهتنا، وهذا مشروع قدمناه الى لجنة المتابعة، فان تنظيم الاحياء، تنظيم الطبقة الوسطى، اعادة السيطرة على الحيز العام، التعامل بشكل حازم مع الفساد الاداري في المجالس المحلية وتنظيم عمل المجالس المحلية، كل هذا التنظيم الشعبي الذي يأخذ مسؤولية على مجتمعه هو الطريق لاجبار الدولة القيام بواجباتها”.

وواصل ” نحن بصراع مع “الدولة”، لذلك مصلحة الدولة ان يبقى مجتمعنا ضعيف وان يستقوي عليه الاجرام ونقطة التحول ستحدث عندما نقوي مجتمعنا وننظمة بشكل محكم وجيد. جهدنا اليوم في المركز هو التركيز على بناء القدرات في التنظيم المجتمعي. نراه اليوم أساس”.

 الراية – ما هي الخيارات التي أمام فلسطيني الداخل المحتل لمواجهة سياسات الاحتلال الممنهجة ضدهم بتسهيل عمليات نشر السلاح غير المرخص، والتراخي بجمعه ومصادرته؟

جابر : “هناك خيار وحيد وهو أخذ المسؤولية على بلداتنا بالموارد والقدرات المتوفرة وهي ليست ضئيلة. مجتمعنا لا يستطيع ان يبقى بخانة الانتظار والاعتماد على “الدولة” مع الابقاء في النضال اتجاهها لتقوم بواجباتها. لذلك خيار التنظيم المجتمعي المتلاحم مع الاحتجاج الشعبي هما الطريق”.

 الراية – منذ عشرة أسابيع ونحن نرى الحراك الفحماوي الموحد، ينشط بشكل مكثف للاحتجاج على تصاعد آفة العنف، رغم محاولة الشرطة الإسرائيلية بإجهاضه بالاعتداء على المحتجين، إضافة إلى أنه انبثق عنه حراكات مختلفة في عدة مدن، حيث تتحد الجماهير وتتظافر الجهود نحو هدف واحد وبوصلته واحدة، لمواجهة هذا الشبح واتهام الشرطة بتورطها بتصاعده، كيف ترى بهذه الحراكات ثقافيا على الصعيد المجتمعي، وسياسيا على صعيد مطالبة الشرطة بتحمل مسؤوليتها والقيام بواجبها؟

جابر : ” الحراك في ام الفحم هو نقلة جدية في الاحتجاج الشعبي وهو مبارك ومهم، ولكن نحن سنصل الى اللحظة التي يجب توظيف هذا الحراك والحراكات الشعبية الاخرى الى مطالب لسياسات محددة، والمركز له رؤيا لهذه المطالب ويقدمها لصناع القرار والقيادات السياسية، وأيضا ان ينتظم الحراك في عملية التنظيم المجتمعي. هذه هي الطريق لكي يتم الاستفادة من انجازات الحراك وتطويرها”.