حكي صريح في العنف- مرزوق الحلبي

حكي صريح في العنف أو قراءة المحنة قراءة ضد استشراقية.
حسب ما نكتبه ونصرّحه ونحكيه ونبثّه فإن نظرتنا كمجتمع إلى محنة العنف والتقتيل ـ على العموم مع استثناءات ـ مشتقّة من نظرة السلطة والنُخب الإسرائيلية إلينا ومحاولتها التنصّل من كلّ مسؤولية تجاهنا وتجاه سياساتها التي خلقت هذا الواقع بكل تفاصيله بما فيه العنف.
ـ لقد تعززت النظرة الكولونيالية الفوقية الاستعلائية في العقدين الأخيرين فيما أشبه باستئناف المكوّن الكولونيالي في تجربة المجتمع اليهودي تجاه مجتمعنا وتحميله وزر أوضاعه علما بأن تطبيقات كولونيالية مثل مصادرة الأرض وجعل كل بلدة عربية معزلًا سكانيًا مُحاطًا بخط أزرق أو بقرار إداري يهدم ويمنع ويحدّ ويُعاقب وتحويل معظم البلدات العربية إلى بلدات تفجّر سكاني نموذجية ـ 20% من السكان يعيشون على 3% من الحيز المكاني ـ وهذه الحقيقة لوحدها تفسّر جزءا كبيرا من الظاهرة.
ـ إن حالات التفجّر السكاني في كراكاس ومقديشو وريو ديجانيرو وبنغلاديش وجوانب طوكيو وأحياء الأمريكيين من أصل أفريقي في ميشغان وحول باريس ـ كلّها تُنتج عنفًا مضاعفا مما نشهده نحن هنا،
ـ كل حالات غياب الدولة وسلطة القانون والردع عن أي حيّز في أوروبا وأفريقيا وآسيا والأمريكيتيْن وتخلّي المركز عن الأطراف وتركهم إلى مصيرهم سيؤدّي بالضرورة إلى عنف مدمّر خاصة إذا كان الجيش وقوات الأمن هم مصدر 90% من قطع السلاح وتكنولوجيا الجريمة ـ كما هنا!
ـ لقد تخلّت الدولة عن العرب بنسبة تزيد عن خمسين بالمئة (فهي لا تزال تهدم بيوتهم وتفرض عليهم غرامات باهظة ولا تزال تجبي الضرائب ورسوم التأمين الوطني) ـ وأخشى أنها وصلت إلى قرار بتركهم يغرقون بدمائهم. وهو قرار يتجسّد في أنها أرخت الحبل لعائلات الجريمة أو "صادقتها" واعتمدتها وسيطا فصار العنف أو "حلّة الحكم" هي جزء من النتائج.
ـ قارنوا أوضاع قُرانا وبلداتنا في الخمسينيات والستينيات مع وضعنا اليوم، أو قارنوا أوضاع بلدة عربية فلسطينية شرقي الخط الأخضر مع قرية مماثلة في عدد السكان غربي الخط ـ وستصلون إلى أسئلة تتحدى نظرية السلطة ونظرياتكم المنسوخة عنها.
ـ كلّما زاد الاغتراب لدى مجموعات سكانية وكلّما زاد تهميشها وإقصاؤها (ونحن أصلانيون الأمر الذي يعمّق الشرخ والخيبة) خصبت أرض العنف خاصة عندما يصل الإنسان إلى استنتاج أن الدنيا مسدودة تماما في وجهه وأن الشريعة شريعة غاب!
ـ لا مفرّ من مقاربة العنف مقاربة متعددة المجالات ـ تاريخية واقتصادية وسياسية واجتماعية وقانونية كي تصحّ القراءة فيصحّ خطابنا ونعرف تمامًا مَن يتحمّل هذا القسط أو ذاك من المسؤولية فلا نرمي كلاما تيئيسيًا مُحبطًا مكرورًا بل نقول كلامًا مسؤولا هو نقطة البداية الضرورية لمواجهة هذه المحنة،
ـ أما بالنسبة لعلماء الاجتماع والمربّين و"الناشطين" والفاعلين السياسيين و"مصممي الرأي" بما فيهم الإعلاميون والإعلاميات العرب وأسئلتهم والرؤساء والنواب ـ أقول لا يُمكن لمجتمع ما أن ينهض أو يواجه مصيره إلّا إذا قرأ ذاته ومحنه بلغته لأن الأساس هو امتلاك زمام الأمور بما فيها إرادة قراءة المحنة أو الأزمة. أو بلُغة أخرى لا يُمكن حل محنة العنف طالما أن القراءة استشراقية وبعين كولونيالية.

وأخيرا ـ قراءتنا للعنف استشراقيا لا تختلف عن قراءتنا للسياسة على هذا النحو ولجوانب حياتنا الأخرى ـ صحيح أن الناس تكتب بالعربية أحيانا لكن مضمونها مش عربي