قسم مكافحة الجريمة في المجتمع العربي أم قسم شرب القهوة؟

أجمع قادة الشرطة على أمر واحد ووحيد، ألا وهو فشلُ قسم مكافحة الجريمة الذي أنشِأ قبل عام باحباط جريمة قتل واحدة في المجتمع العربي. يجد القسم الذي دشّنه رئيس الحكومة نفتالي بينيت في آب2021 صعوبة بالغة بالقيام بالمهمة الموكلةِ إليه كما وصفها مفتّش عام جهاز الشرطة كوبي شبتاي حينها: "إحباط الجريمة في المجتمع العربي في إسرائيل وإعادة الأمان إلى شوارع المدن والقرى العربية".
حيث لم يتغير عدد المواطنين العرب الذين راحوا ضحية العنف خلال العام المنصرم، وعليه اعترف أحد قياديّي الشرطة قائلا: "ما زلنا عاجزين عن إحباط الجرائم، كما ولا يمكننا ومع الأسف توقعُ حدوث الجريمة القادمة". بالمقابل ادعت بعض مصادر الشرطة أن هذا الفشل كان متوقعا، حيث لم يُمنَح هذا القسم منذ البداية صلاحيّات كافية تمكنه من القيام بمهامهِ. كما وأشار بعض ضبّاط الشرطة أنّ القسم كان عبارة عن مَلجأ للضبّاط الذين لفظتهم وحدات شرطة أخرى، من جهتها شَككت وزارة الأمن الداخلي بالحاجة إلى قسم من هذا النوع أساسا.
زامن إنشاء القسم مع إطلاق عدد لا بأس به من الوعود، التي تحقّق جزء بسيط منها فقط. فقد أنشِأت في المجتمع العربي على سبيل المثال، لجنة استشاريّة ضمت رؤساء سلطات محلية، شخصيّات عامّة، ورجال دين، ومكتبا مختصا لحلِ النزاعات الداخلية بهدف التواصل مع جهاز الشرطة. كما أُنشئت وحدة إعلام خاصة (نيو ميديا)، هدفها تعقب وتحليل أفكار المواطنين العرب وإشراكهم بعمل الشرطة. حيث صرح رئيس بلدية كفر قاسم، عادل بدير قائلا بهذا الشأن: "ثمّة مَن يصغي لنا، وهذه خطوة أولى". أمّا رئيس مجلس عرعرة المحلي، مُضَر يونس، فقال: "لَم يتغير وللأسف الشديد، واقع المدن والقرى العربية بعد إنشاء هذا القسم".
كان جمال حَكروش المُسلم الذي ترأس سابقا قسم تحسين الخدمات في المجتمع العربيّ، أول رئيس للقسم. لكنه اضطُرّ إلى تقديم استقالته بسبب ظروف مُخجِلة بعد مرور نصف عام على تعيينه. فقد كشفت صحيفة "هآرتس" مقطع فيديو ظهر فيه حَكروش قافزا من فوق جثة قتيل في كفر كنّا. ليغادر بعدها نائب حَكروش العميد يارون متاس ورئيسة قسم التعاونات العقيد ليئات بيرل، القسم بدورهم. كما وأعلن المُقدَّم آساف دورون رئيس دائرة العمليات الذي تسلّم مهامّه في آذار الماضي في القسم عن استقالتَه مؤخرًا. أشرف دورون بنجاح على مركز الشرطة في كفر قاسم، بل وحظى بتقدير كبير في المجتمع العربي.
عيَّن شبتاي ناتان بوزنا نائب قائد لواء يهودا والسامرة، خلفًا لحكروش. لم يتقن بوزنا اللغة العربيّة، لكنه اكتسب خبرته من خلال العمل مع الجماهير العربيّة حين كان قائدًا للواء النقب. فقد وقف في حينه على رأس قوّات الشرطة أثناء عملية إخلاء أم الحيران التي انتهت بمقتل يعقوب أبو القيعان جراء نيران الشرطة وبدهس الشرطيّ إيرز ليفي. ولمن لا يعرف أثارت هذه الحادثة لاحقا جدلا حادا بكل ما يتعلق بأداء الشرطة.
كان العقيد يجآل عزرا الآمر والناهي في القسم، فهو وفيما يتعلق بعصابات الإجرام والنزاعات في المجتمع العربي، مَرجع هام. حظي عزرا باحترام الكثيرين لاتقانه العربيّة ولخبرته المهنية طويلة الأمد فقد شَغل الرجل مناصبا مرموقة من بينها إدارة مركز الشرطة في اللد.
صرح أحد قياديي الشرطة قائلا عقب تعيين بوزنا قائلا: "كانت هذه صفقة من أجل الحصول على رُتبة لا غير". لكن لم تكن هذه الصفقات بالجديدة على هذا القسم، فقد منح وزير الأمن الداخلي عومِر بار ليف وشبتاي لطفي فَلاح رُتبة عقيد بل وعينهٌ مستشارًا لشؤون البدو في القسم وهو منصب اخترعهُ بار ليف خصيصا من أجل فَلاح. جاء ذلك عقبَ رغبة بار ليف ترقية ضابط بدويّ، بعد تعذُّر تعيين فلاح في مناصب أخرى.
كان أحد الادّعاءات الرئيسية ضدّ هذا القسم، الازدواجية التي سادت عقبَ إنشائهِ. حيث صرح ضابط رفيع المستوى قائلا: "لا يوجد سبب مقنع لإنشاء قِسم للتعاون المجتمعي داخل قسم مكافحة الجريمة بالوسط العربي، فهناك لواء خاص بالمجتمعات المحلية في مقرّ القيادة القطريّة. بل ولا حاجة لهذا القسم من الأساس، حيث لا يحتاج ضابط مركز الشرطة أن يخبره قسم قسم مكافحة الجريمة عن نشوبِ نزاع بين عائلتَين، فهو على عِلمٍ بذلك. لا وجود لهذا القسم على أرض الواقع وعليه فكيف يحمل اسم قِسم مكافحة الجريمة؟؟".
قُتل ومنذ بداية 2022 ومقارنة بنفس الفترة من العام الماضي 76 شخصًا في المجتمع العربي. لكن بقيت نسبة فكّ رموز جرائم القتل، منخفضة جدًّا. حيث نجحت الشرطة هذا العام بفكِ رموز 19% منها فقط، فيما وصلت نسبة فكِ جرائم القتل في المجتمع اليهودي إلى 70%. صرح محمود نصار مُركّز مواجهة العنف والجريمة في لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية القطرية قائلا: "لا يملكُ هذا القسم أي صلاحيات فليس في وسعه جمعُ السلاح الذي يشكلُ مشكلة رئيسية اليوم. كما ولم يقترح هذا القسم حتى الآن برنامج عمل أو أهدافا لمكافحة الجريمة. وعليه فهو ينوي القضاء على الجريمة لكنه لا يعرف كيف يفعل ذلك".
أوضح أفراد الشرطة وفيما يتعلق بغياب الصلاحيات، أنّ قادة الألوية والمناطق، يقفون وحدهم بمواجهة الجريمة. كان خير مثال على ذلك حملة "المسار الآمن"، التي شَنتها الشرطة ضدّ المجرمين في المجتمع العربي. حيث يجتمع قادة منظومة إنفاذ القانون كلّ خميس في مكتب نائب وزير الأمن الداخلي يوآف سجلوفيتش، من أجل التخطيط لعملهم، لكن وللعجب العُجاب كان ممثل الشرطة رئيسُ وحدة التحقيق والاستخبارات لا رئيس قسم مكافحة الجريمة في المجتمع العربي!
تباحث بار ليف وبوزنا عقبَ تعيينهِ، ضرورة استمرار قسم مكافحة الجريمة بالوسط العربي كهيئة مستقلّة لأن بار ليف كان قد بدأ يُشكك بجدواهُ. صرح وفي هذا السياق مسؤول رفيع المستوى في الشرطة قائلا: " هذا قسم لشرب القهوة في جلسات الصُّلح". هذا ودون أن نأتي على الخلافات والتوترات التي نشبت بين بوزنا وبين أفراد شرطة القسم بعد طلبه طعاما خاصا عند زياراته الميدانية.
ولكن رغم الانتقاد الشديد، تُصرّ الشرطة على ضرورة استمرار القسم بل وتدّعي أن من المبكر الحكم على أدائه. أما شبتاي فصرحَ مؤخرًا وخلال جلسة مغلقة قائلا بِعنجهية: "سيعالج القسم وخلال سنة من الآن، كلّ نزاعات المجتمع العربي". كما ذكرت الشرطة أنها على وشك إطلاق ما يسمى بخريطة النزاعات، وهي عبارة عن منظومة ذكاء اصطناعي تُشيرُ إلى مناطق حدوث النزاعات "الدامية" في الوسط العربي. أشار أحد قياديّ جهاز الشرطة قائلا: "أنهينا لتوّنا مرحلة تجنيد شبّان عرب إلى صفوف قسم التحقيقات، لتنضم هذه الخطوة إلى أخرى شملت دعم أفراد شرطة آخرين من أجل اجتياز اختبارات الدخول والانخراط في مساقات إعدادهم للانضمام لجهاز الشرطة. لا يسعى القسم لأخذ مكان الألوية، بل لدعمها".
جوش برينر- هآرتس