تمديد الخطة الخمسية للمجتمع العربي هو شأن الساعة- ولكن الطريق إلى المساواة لا تزال طويلة

صادقت الحكومة في الأسبوع الماضي وفي أوج الأزمة الصحية، الاقتصادية والسياسية، على تمديد الخطة الخمسية لتطوير المجتمع العربي اقتصاديا. مرت خمس سنوات على تخصيص الحكومة لأكبر ميزانية للبلدات العربية، لكن تبقى من هذا المبلغ في خزينة الدولة ما يقارب الـ 3.2 مليار شاقل لم تصل وجهتها بعد. كانت هذه المصادقة هامة جدا، ولكن لِم تبقى ثلث هذه الميزانية في خزينة الدولة؟
كما هو معلوم تمت المصادقة على خطة 922 نهاية عام 2015، يهدف المخطط إلى تطوير البلدات العربية اقتصاديا وحضريا. تشمل الخطة الخمسية تخصيص نحو 10 مليار شاقل للبلدات العربية خلال الفترة الواقعة بين 2016-2020. لكن الأهم من ذلك، أنها تشكل اعترافًا بالتمييز الحاصل داخل أجهزة وآليات تخصيص الميزانيات السنوية للمجتمع العربي, بل وتعبر عن رغبة جدية بتصحيح هذا التمييز. حيث تم تخصيص الميزانيات هذه المرة في مجالات عدة، وفقًا لنسبة تمثيل المواطنين العرب في مُجمل السكان، ووفقًا للفجوات التي خلقها هذا التمييز على امتداد سنوات السابقة. حيث خُصص وبحسب معطيات لجنة الحكومية التوجيهية وحتى منتصف 2020، نحو 7.7 مليار شاقل (من أصل 10 مليار) وتبقى نحو 3.6 مليار. قامت السلطات المحلية العربية والجهات المُختصة في البلدات العربية، باستغلال نصف هذا المبلغ.
كان هذا التمديد ضروريًا، وذلك لأنّ تخصيص وصرف هذه الميزانيات لم يحقق أهدافه المنشودة. يعود ذلك إلى المعوقات القائمة في آليات عمل الحكومة ومؤسسات التخطيط العاملة أمام السلطات المحلية العربية. أضيف إلى ذلك، أن الخطة خصصت ميزانيات للسلطات المحلية العربية دون تعزيزها بالموارد البشرية وبالميزانيات اللازمة لدعم عملها، كما وتم تخصيص جزء كبير من الميزانيات لمشاريع تخطيط وإنشاء بنى تحتية وهي مشاريع يستغرق تنفيذها سنوات طويلة. كانت هناك أيضًا مشاكل جدية في عملية تخصيص ميزانيات للسلطات المحلية، خاصة في مجال الإسكان. فعلى سبيل المثال، جاء في القرار أنه سيتم تحويل ميزانية لأكبر 15 سلطة محلية عربية على مراحل، وأنّ امكانية الانتقال من مرحلة لأخرى ستكون متاحة فقط لـ 10 سلطات محلية. لكن ما يزيد الطين بلة، أن الأمر برمته منوط بتحقيق أهداف صعبة المنال، مما يقود إلى تأخير في عملية تخصيص الميزانيات في مجال الإسكان تحديدا.
تجدر الإشارة، إلى أنّ معدّل صرف الميزانية مقارنة بمعدّل تخصيصها بالمجتمع العربي، ارتفع بشكل ملحوظ خلال السنوات القليلة الماضية. فمثلا استُغل حتى منتصف العام 2018 ما يقارب الـ %23 من إجمالي ميزانيات ذاك العام. بل ووصلت نسبة الصرف في منتصف عام 2019 الـ %48. أحد الأسباب الرئيسية التي تقف وراء هذه الظاهرة، أن الدولة بدأت بتخصيص ميزانيات التعيينات الضرورية لعمل السلطات المحلية العربيةـ خاصة في أقسام الهندسة- متأخرا وعليه فلم تؤتِ هذه السيرورة ثمارها بعد. لكن وبالرغم من ذلك، هناك ميزانيات لم تُصرف بعد في وجهتها الصحيحة.
لو لم تقم الحكومة الأسبوع الماضي بتمديد القرار، لتحولت هذه الميزانيات المُخصصة وغير المستغلة بعد لوجهات أخرى. بل ولذهبت سدى دون أن تُحدث تغييرا يذكر على واقع البلدات العربية. كان هذا قرارا حكوميا حكيما، فمع انتهاء مفعول القرار ينتهي التزام الدولة بالاستمرار بتخصيص الميزانيات. لذلك، كرست قيادة المجتمع العربي خلال الأشهر الأخيرة جلّ جهودها وبالتعاون مع منظمات المجتمع المدني ، للمطالبة بتمديد الخطة سنة إضافية.
سيتيح تمديد الخطة للسلطات المحلية تطوير البلدات العربية اقتصاديا وحضريا، وأكبر دليل على ذلك نتائج تخصيص هذه الميزانيات الأولية والتي رأيناها خلال السنوات الأخيرة. فعلى سبيل المثال، ارتفعت نسبة تشغيل النساء من %33 عام 2014 إلى %37 عام 2018، وهو ارتفاع ملحوظ حتى وإن ظل المعدّل العام منخفضًا. طرأ أيضًا ارتفاع ملحوظ على كمية خدمات المواصلات في البلدات العربية، رغم أنّ جودتها ما زالت متدنية مقارنة بالبلدات اليهودية. أضيف إلى ما ذكرته أعلاه، أننا لاحظنا أيضا ازدياد نسبة التشبيك والتعاونات المهنية بين السلطات المحلية والحكم المركزي، وهي تعاونات مهمة في الأوقات العادية بل وضرورية خلال الأزمات.
ولكن هنا تحديدا علينا أن نتذكّر ما يلي، لا شك أن قرار- 922 كان خطوة في الاتجاه الصحيح. لكن، حتى وإن تم تطبيقه فلن يَسد الفجوات العميقة بين العرب واليهود. يُعنى القرار بشكل أساسي بقضية التشغيل، ولكنه لا يُحدث إصلاحات جذرية في مجال الرفاه، الصحة، التعليم الثانوي ومكافحة العنف. تُلقننا هذه الأزمة المستمرة التي نعايشها، درسًا مهمًا، بالذات فيما يتعلق بالأثمان التي قد ندفعها كمجتمع بسبب التمييز. كما وتعلّمنا أنّ حصانة المجتمع الإسرائيلي الصحية، الاجتماعية والاقتصادية، مرتبطة بشكل مباشر بالحلقة الأضعف، أعني المجتمع العربي. فالمساواة على كل جوانبها، حق أساسي للمجتمع العربي وأفراده. لذلك، فإنّ خطة 922 ليست إلا خطوة أولى نحو الإصلاح والمساواة. هذا التمديد هو أمر الساعة بالفعل، ولكن يتوجّب على الحكومة التحقق من تطبيقها على أكمل وجه، بل عليها والإعداد والمصادقة على خطة أوسع نطاقًا، وتنفيذها بالتعاون مع لجنة رؤساء السلطات المحلية، أعضاء الكنيست العرب ومنظمات المجتمع المدني.
الكاتب مدير عام مشارك في جمعية سيكوي، الساعية لتحقيق المساواة والشراكة بين المواطنين العرب واليهود في إسرائيل