العنف، مشكلة العرب؟ بقلم حسين الغول

يواجه المواطنون العرب خلال العقدين الأخيرين خطرًا داهمًا يوشك أن يدمّر نسيج هذا المجتمع ويستنفد طاقاته. إنّها دوّامة العنف وجرائم القتل التي أضحت مأساة شبه يوميّة في البلدات العربيّة. أدّت آفة العنف حتّى اللحظة إلى مقتل عشرات الأشخاص خلال هذا العام ناهيك، عن الأعوام الماضيّة. كان بين ضحايا هذه الجرائم، رجال، نساء وحتّى شباب. أصيب أو قتل بعض هؤلاء فقط  لمجرد تزامن وجودهم في مسرح هذه الجرائم وعن طريق الخطأ. تحدث عمليّات القتل والإجرام هذه، في كل البلدات العربيّة من شمالها إلى جنوبها. يقف المواطن العربيّ العادي حائرًا أمام هذه الظاهرة، فقد يكون الضحية القادمة!

لا أمل بوقف دوامة العنف هذه، حيث إنّ مسبباتها لن تزول ولا يمكن القضاء عليها إلا في حال تضافر جهود المجتمع العربي، الشرطة والجهات المُختصة. من السهل اتّهام المجتمع العربي، والادعاء أنّه يعاني من أزمه وخلل وبالتالي لومهِ. لكن تلعب السلطات الحكوميّة دورا محوريا في هذه المعادلة، وعليه فينبغي عليها القيام  بدورها بشكل مهني وجدي. بحسب تقرير نُشر في موقع صحيفة "هآرتس" هذا الأسبوع، فكت الشرطة لغز خُمس عمليّات جرائم القتل في المجتمع العربي، لكنها وبالمقابل فكت لغز خمسين في المئة من ملفات القتل في المجتمع اليهودي. حقائق لا تفاجئنا، فحين تكون الضحية مواطنا يهوديا ويكون المشتبه بارتكاب الجريمة عربيا، تسارع الشرطة لوضع الحواجز وارسال مروحيّاتها لإلقاء القبض على الفاعل. ولكن عندما يكون القاتل والمقتول عربا، فهناك من يدّعي أنّ الشرطة تتقاعس عن القيام بدورها ولا تبذل الكثير من الجهود لفك لغز هذه الجرائم. تشير العديد من التقارير إلى أن، أحد أسباب هذه الجرائم هي ظاهرة اللجوء للسوق السوداء التي تديرها أحيانًا شخصيات ذات سوابق جنائية، واقتراض مبالغ مالية بفائدة مرتفعة. 

سرعان ما يتورط هؤلاء الزبائن في الديون المتراكمة عليهم ولا يستطيعون تسديدها، وعليه فيلجأ أصحاب هذه الأموال إلى استعمال العنف لتحصيل أموالهم. علاوة على ذلك، هناك ظاهرة الإتاوة التي تفرضها بعض عناصر الإجرام المنظم على المحال التجاريّة المختلفة، التي تحصد أرواح كل من يتصدى لها. تحدث ظاهرة الإتاوة شائعة الانتشار على مرأى ومسمع من الشرطة. ولكن يبدو أنّ لجهاز الشرطة سلّم أولويات مختلف، فهو لا يقوم بحماية أصحاب المحال التجارية والقبض على هذه العصابات التي تفرض سطوتها على المصالح التجاريّة دون حسيب أو رقيب. لعلّ العامل الاقتصاديّ هو السبب الرئيسي الذي يؤجج أعمال العنف هذه، والتي تهدد الأمن العام وتنشرالخوف وانعدام الأمان. تتطلب في اعتقادي، هذه المعضلة من المجتمع العربي أن يبحث عن مواطن الخلل التي أفرزت هذه الظاهرة المقلقة. يتعين على قادة المجتمع العربي من أحزاب، منظّمات، جمعيّات وأطر تربوية العمل من أجل تعزيز ثقافة التسامح وحل المشاكل البسيطة قبل أن تطورها إلى عمليات قتل فظيعة.

كما وعلى كل هذه الجهات المبادرة إلى حملات توعوية في المدارس ودور العبادة، بهدف نبذ العنف والدعوة إلى الحوار والتعاون مع الشرطة من أجل تقليص هذه الظاهرة. وفي المقابل على الحكومة معالجة آفة العنف من خلال تجريب وسائل جديدة وتغيير سياساتها حيال الظاهرة. إذا كانت الحكومة قد عيّنت منسّقًا خاصًّا للحد من تفشّي وباء كورونا، فيجدر بها أن تعيّن منسّقًا يكون مسؤولًا عن معالجة مظاهر العنف والإجرام في المجتمع العربي.

يجب رصد العديد من الموارد لتحسين جودة الحياة في البلدات العربية والقضاء على الجريمة ومسبّباتها، خاصّة جمعُ السلاح. ترصد الحكومة ميزانيّات طائلة لهدم منازل المواطنين العرب في البلاد، بالذات في منطقة الجنوب. بل وشكّلت وحدة شرطة خاصّة تُدعى "وحدة يوآب"، لتأمين عمليات الهدم. لو استثمرت الدولة هذه الأموال في سبيل النهوض بالمجتمع العربي وتحسين ظروفه المعيشية ومعالجة ظاهرة العنف، لصب هذا في مصلحتها أيضًا. 

على الدولة أن تعترف أن هذا العنف الذي يحصد أرواح العشرات من المواطنين العرب، ليس شأنًا داخليًّا يخصّ المجتمع العربي، بل إنّها أزمة قد تلقي بظلالها على المجتمع اليهوديّ أيضًا. وبالتالي فمن مصلحتها أن يسود الأمن الداخلي بين مواطنيها العرب، كي يساهموا في تطوير اقتصادها.

الكاتب محاضر بالجامعة المفتوحة ومترجم